يرى الكاتب ديفيد هيرست أن الولايات المتحدة، التي كان يُفترض أن تقود “قرنها”، أنهت أول 25 عامًا منه بعجز أخلاقي وسياسي عميق، عجز كشفه عام 2025 بلا مواربة. بدل أن تتعلم واشنطن من أخطائها أو تمارس قيادة عالمية رشيدة، واصلت الدوران في حلقة من الغطرسة وسوء التقدير، ما حوّل القوة إلى عبء، والانتصار إلى هزيمة.
يرى ميدل إيست مونيتور أن الفشل الأميركي لم يعد طارئًا أو مرتبطًا بإدارة واحدة، بل أصبح نمطًا ممتدًا.
عام الفوضى وتكثيف الفشل
يميل كثيرون إلى اختزال كوارث 2025 في شخص دونالد ترامب، ويقرّ هيرست بأن ترامب كان بالفعل أكثر الرؤساء الأميركيين تأثيرًا وسوءًا في التاريخ الحديث. خلال ولايته، قصف إيران، وفتح الباب أمام توغل إسرائيلي في جنوب سوريا، وأكمل تدمير غزة، وبارك عمليًا مسار ضم الضفة الغربية. لم يبدِ اكتراثًا بالتطهير العرقي في السودان، ولا بسقوط مئات الآلاف من الضحايا هناك.
بعد أشهر من طرح “خطة السلام الجميلة”، ترسّخ على الأرض في غزة نقيضها الكامل: واقع حرب دائمة، وتجويع، وتشريد. لم تكتفِ إسرائيل بترك أكثر من مليوني فلسطيني في خيام البؤس، بل قوبلت معاناتهم أحيانًا بالشماتة. ومع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي نية الاستيطان الدائم في شمال غزة، تلاشى أي حديث عن انسحاب كامل.
الانهيار الأخلاقي وصعود الصين
يتجاوز فشل واشنطن الشرق الأوسط. فترامب أخفق في تحقيق وعوده بشأن أوكرانيا، وعجز عن تثبيت تسوية رغم عام كامل من المناورة. في الداخل، عكست ردود فعله على مآسٍ إنسانية، مثل مقتل المخرج بوب راينر وزوجته، عقلية قاسية تفتقر إلى التعاطف. ورغم ذلك، علّقت أنظمة عربية ثرية آمالها عليه، وكأن الخلاص يخرج من ذهن ضيق.
وسط هذا المشهد، يبرز المستفيد الأكبر: الصين. لا لأن بكين اندفعت بقوة خارقة، بل لأن واشنطن انهارت أخلاقيًا من الداخل. يكفي للصين أن تصبر، وتراقب الولايات المتحدة وهي تُقوّض مصداقيتها بيدها. هذا الانهيار الأخلاقي، لا التخطيط الصيني وحده، جعل بكين “ولي عهد” القيادة العالمية.
من وهم العدو إلى تآكل الهيمنة
يشرح هيرست كيف حوّلت أميركا تفوقها بعد 1991 إلى سلسلة إخفاقات. احتكرت القوة العسكرية حينها، بينما يتشاركها اليوم فاعلون دوليون وغير دوليين. كانت روسيا ضعيفة، وأصبحت اليوم تهدد أوروبا. خسرت واشنطن حروبًا متتالية في أفغانستان والعراق واليمن وليبيا وسوريا، إذ تبِع إسقاط الأنظمة واقعٌ من الفوضى والانسحاب.
لعبت الأيديولوجيا دورًا مركزيًا في هذا المسار. اعتاد الغرب اختراع “عدو وجودي” في كل مرحلة: الشيوعية، ثم القاعدة، ثم “داعش”، ثم الإخوان المسلمون، وربما الإسلام ذاته لاحقًا. تجاهلت هذه الرؤية الفروق بين الخصوم، ووسّعت حروبًا محدودة إلى صراعات شاملة، كما حدث بعد 11 سبتمبر. سمحت هذه العقلية بدمج حروب قمعية، مثل حرب روسيا في الشيشان، داخل “الحرب على الإرهاب”، لأن الضحايا كانوا مسلمين.
يصل الكاتب إلى خلاصة قاتمة: الإمبراطوريات في طور الأفول تعمى عن حقائقها. امتدح الغرب مهندسي حروب مدمرة، مثل ديك تشيني، رغم أن سياساتهم أودت بحياة ملايين البشر ونسفت الثقة بالديمقراطية في الداخل. حتى الإدارات الليبرالية شاركت في هذا الانهيار حين سلّحت إسرائيل وغطّت جرائمها، ما جعل الفشل الأميركي إنجازًا حزبيًا مشتركًا.
يختتم هيرست بأن 2025 لم يكن سوى خاتمة ربع قرن من الإخفاق. هذا الفشل يغذي صعود اليمين المتطرف، ويهدد بإعادة إنتاج أجواء الثلاثينيات إذا وقع انهيار مالي كبير. ورغم قتامة الصورة، يلمّح الكاتب إلى احتمال ولادة قيادة جديدة أكثر تواضعًا وأخلاقية، لكنه يسأل بثقل: أي ثمن سيدفعه العالم قبل أن يتعلم الدرس؟
https://www.middleeasteye.net/opinion/arrogance-hubris-and-ideology-how-2025-capped-quarter-century-us-failures

